صالحين ميديا

تيارات الشعر العربي حدقت بلا وجه ورقصت بلا ساق

0 45

تيارات الشعر العربي حدقت بلا وجه ورقصت بلا ساق
كتبت ابتهال تريتر

في أمسية نوعية جمعت بين بيت الشعر والمركز الثقافي الفرنسي وبين مختلف أطياف وتيارات الشعر العربي عزفت القصائد سيمفونيتها الرائعة وعلى إيقاع الليل الهادئ نصبت خيمات الشعر الممزوج بعبق الجمال والحرية والإنسانية
في كلمته رحب السيد ماتيو إنسا المدير المفوض للمعهد الفرنسي الإقليمي بالسودان ببيت الشعر والحضورفي “ربيع الشعراء” الذي يقام سنويا في مارس للاحتفال بالشعر قائلا يتم تنظيم هذا اللقاء الشعري السنوي بالشراكة مع بيت الشعر ، هذا البيت الذي يجمع الشعراء الكبار والشباب ،والذي أعطى الشعر نفسا جديدا وألقًا جديدًا.
السودان بلد غني بالثقافة والحضارة ، والشعب السوداني شعب شغوف بالأدب وخاصة الشعر بكافة أشكاله.
المعهد الفرنسي موجود منذ سنوات في الحركة الثقافية السودانية من خلال تنظيم المعارض الفنية والأمسيات الأدبية والثقافية ومعارض الكتب وورش العمل والبازارات. وكل هذه الأنشطة تتم مع الشركاء المحليين المهتمين بالثقافية.
أما الدكتور الصديق فرد التحية بأشعر منها واصفا الشراكة بالمركز الفرنسي بالاستراتيجية والعميقة وأن عمر هذه العلاقة بين المؤسستين على قصره إلا أنه كبير الأثر وأكد أننا في بيت الشعر حريصون على تعزيزها بكل الوسائل ناقلا تحية الشارقة للمشهد الثقافي الفرنسي وأن ربيع الشعراء موسم ينتظره الشعراء ويعدون له أجمل الخرائد

ابتدرت القراءات في الأمسية بالشاعر الشاب محمد جدو الدرديري وهو شاعر من الشباب الذين لهم حضور واضح في المشهد الشعري السوداني وفاز بعدد من الجوائز وشارك بالمهرجانات المختلفة ونشر له في المجلات العربية والمحلية المختلفة
تَكَلَّمي قبلَ أن يَرتَدَّ بي زمني
إلى الفَرَاغِ، الذي لا بَعْدُ لا قَبْلُ

تَكَلَّمي فالزَّمانُ الكَهْلُ مُنشَغِلٌ
بِشَغْلِنَا، فاختفى في شَكلِهِ الشَّكلُ

وأنتِ واقفةٌ كالماءِ منحدرا
ولا يَمَسُّكِ عَمقُ البَحْرِ والرَّمْلُ

وإنْ مَشَيتِ كأنَّ الشَّمسَ واضعةٌ…
…على الصُّخُورِ خُطاهَا، والسَّمَا حَبْلُ

يكادُ يأكُلنِي الوسواسُ حين أرى
خُطاكِ يَنبُتُ من أعقَابِها العِجْلُ

فلستُ آمنُ نفسي في تَخبُّطها
كأنَّ بي من جُنونِ المُوثَقِ الحَبْلُ

والصَّمتُ يرحلُ بي مادُمتِ صامِتَةً
إلى انقطاع الصَّدى، إذ يَعبُرُ الوصلُ

حَدَّقْتُ فِيكِ؛ فَرُؤياكِ التي كَشَفَتْ
فمن أكونُ.. وأين البَرْقُ والسُّبْلُ؟

وريحُكِ الشَّمسُ في الأنسَامِ دافئةٌ
أمٌ تَشَبَّثَ في أحضانِها النَّجْلُ

وأنتِ حاضِنَةُ الأكوانِ أجمَعِها
إلَّايَ أرزَحُ في المُرِّ الذي يحلو

وفي ندائية صاعدة مزجت بين الترميز والتشكيل والغموض الجميل تفتق الدرديري إلى أن انتهى به الأمر أن يذبح بالشعر في دموية عجيبة

ناديتهم وقلوبهم صماءُ
والأرضُ تبتلع النِّدا إذ جاؤوا

نَزَّت عيونُ النَّهرِ تحت جُسُومِهِمْ
إبَرًا.. صفائحَ، تحتهن دماءُ

غنوا وكان اللحن دمع جفونهم
وغناؤهم من حزنهم إغماءُ

ولأنني مستَوحِشٌ بعيونهم
ولأنهم في أعيني الغرباءُ

ذَبَّحتُهم بقصائدي ودفنتهم
كالجمر فجرًا والحياةُ شِتَاءُ

وفَتَحْتُ عين النهرِ في أجسادهم
فإذا القصائد بِركَةٌ حمراءُ

وإذا الجِهاتُ تصدّعت وتهدمت
والكون تحتي هُوَّةٌ ملساءُ

أما الشاعر عبدالقادر المكي المجذوب أعاد لليالى الشعر زهوها مرة أخرى بحائية عذبة ولغة منعنعة وهو شاعر وإعلامي ومعلم بالمدارس الثانوية وحاصل على جوائز عربية وسودانية وشارك بعدد من المهرجانات والملتقيات الأدبية

أرى جبلًا تُعنِّفه الأعالي
وترضع ظلّ قامته السفوح
أرى جسدا يشيخ بلا أوان
تعذبه الملامة والقروحُ
وليلى ياسماءَ الحزن غاضت
وما أغنى عن القمر الوضوح
تمدُّ يدَ المسيحِ لعلّ جرحًا
يواسي جُرحَه الأنكى المسيحُ
وتُرجعها وما بالروح بردٌ
وما بالجسم يامولاي روحُ
وليلى ياخيامَ الأرض متنٌ
يدلُّك حيث خانته الشروح
تمر على الأريج فتزدريه
تفوح من الطيوب ومايفوحُ
وفي قصيدة أخرى أوقف الشاعر تعداد العمر لثلاثينية رائعة
لو ترى شاعرا
نبتت روحُه
واستوى شجرا
في خريفِ امْرأه.ْ
لو ترى رئةً تشهق
العطر من صدرها
ويح تلك الرئه ْ
لو ترى وطنا هينا قد تثنّى
وأينع بالدلِّ
أعطافُهُ نيّئهْ
لو قرأت كأنّ
على سورة القد
أحلامَك الغابرة
وجراحات هذي القصيدة..

المريدوك طيرٌ
يحط على الشعر
يرمي
على لفحها المستبد
قيودهْ..
قد سكبناك
من ساحلٍ في الأساطير
ونزفناك لليل هذا انتظارًا
وأد الفجر منا
وعودهْ…
لم نزلْ غابةً
تقتفي وجهها
كلما أبصرتْ في الغيوم
الطريدة..

أما الشاعرةالشاعرة إيمان آدم خالد فتفردت بصوت الأنثى الشاعرة وسكبت عصارة تجربتها الشعرية في نهر الأداء المميز وهي شاعرة وكاتبة وإعلامية ناشطة في مجال المرأة ولها مشاركات كثيفة داخل وخارج السودان
تغنت للصيف وللقهوة ثم أدهشت الحضور بالشعر الشعبي الراقي الذي يمثل لونية أخرى للشاعرة

ذوَّبني في كوبِ القهوة
في الصبحِ .. الظهرِ وكل مساء
ازرعني شجرة حناء..
وابدأني طقساً غجريا..
مِلءَ الأنحاء
لأني أُدركُ .. أنكَ تُدركَ
أنَّ الدنيا دُونَ القهوةِ
فيضُ عناء
وأنَّ الدنيا
ألقٌ الدنيا
وجهُ القهوةِ والأصحاب
بلا استثناءْ

يا ضوءً مجترحاً في الذاتِ
وفي اللا شيء
يا بعضَ خراجِ الروحِ .. الفيء

ثم تواصل الشاعرة في غنائيتها للقهوة

في يوم قمريِّ الفتنة..
ضَحَّاكَ النسمات
أقبلت الدنيا لتبترد
في النهرِ .. الملكوتِ .. الذاتْ
حيتني .. وبنزقٍ قالت
خذني ما في القلب .. وهاتْ
إن تملكْ .. فلتشرق صبحاً
أو فاشرق .. كل الأوقات!!
عابثني ارقبْ وتمعنْ..
في الماضي .. في الزمنِ الآت
طوحني .. حلماً طياراً .. جبَّاراً
خَطِرِ اللفتات
أو ذَرني أعزفُ مزماراً ..
أمنِّي .. أفشي الأسرارا !!
فالقهوةُ للكونِ مدارا
والقهوةُ للكلِّ مزارا
والقهوةُ كَهفُ الغرباء
وأنا يا صاحِ بكوبِ القهوة
أنتظرُ الصبحَ .. وكُلَّ مساء

إيهٍ يا بنُ أيا معطاء
أهواكَ أفدَّيك ولك صِدقاً
زعزعةَ حياتي .. و الإرساء
قد أغدو بالقهوةِ رعناء
قد أغدو بالقهوة .. فينوساً

اختتم الأمسية الشاعر الكبير محجوب كبلو وهو أبرز شعراء قصيدة النثر بالسودان والوطن العربي وهو رائد تجديدي له الكثير من الآراء والمشروعات الثقافية وله عدة دواوين منشورة ومشاركات عالمية وترجمت قصائده للغات مختلفة
يقول كبلو

فَتَحَتِ الشَّمْسُ نافِذَةَ الغَيْمِ
وجفَّفَت قَمِيصِيَ لِلْمَوْعِد.

(الأظَافرُ نوافذ)؛
ما قَالَهُ الطِّلاءُ الأخضر.
(الجَّسَدُ قَلْعَة)؛

طوالَ اللَّيلِ
أَصْنَعُ الأفخاخَ
للفئرانِ التي تَلْتَهِمُ
يَرِقَاتِ الغَد.

البَرَازِيلْيَا والهواءُ
يُزَيِّفانِ خَطَوَاتِكِ،
فَأُحَدِّقُ في مَمَرِّ اللَّيْلَة،
وإذْ لا يَتَدَحْرَجُ مِنْهُ تَسَلُّلُكِ،
يَحْتَرِقُ بي فِرْدَوْسٌ صغير

ثم فتح ديوان الحب والعاطفة وأخذ من حقول الورد أنداها وتفتقت حروفه عطرا عطرا وآثر أن يبدأ بالغرق ونشيده حيث قال

كانَ صَوْتُكِ يَرِفُّ فَوْقَ غَرَقِي
تَنَهُّدَاتِ جُرَّةٍ إثْرَ شَفَةِ المَاء،
وكانَ مُلْتَبِسَاً بَيْنَ الشَّدْوِ والحَمَامَة،
وآنَ طُلُوعِ وَجْهِكِ خَلْفَ سُدَفِ العُبَابِ
كَوَجْهِ المُغَنِّي خَلْفَ أوْتَارِ القَيْثَار.

كانَ وَجْهُكِ لي،
وكانَ العُبَامُ يَنْسُجُ فَوْقِيَ قَامُوسَهُ.
أمَا كانَ لِي؟
وهذه المُخْضَمَّةُ تَلْعَقُ ضوئِي
وتَتَجَشَّأُ عَدَمِي.

ثم واصل غرقه مرتديا شفافيته

تُمْسِكِينَ يَدِي كَأجْدَى هَذَيَانِيَّةٍ لِغَرِيقٍ
، جَائِزَةً بي أَهْرَاءَ عَدْنِكِ وحَظَائِرِهِ،
مُخَلِّفَيْنِ وَرَاءَنَا حُوْذِيَّةَ الزَّمَنِ المُسَرْنِمِينَ،
تَسِيلُ قُبّعَاتُهُمُ الكَسْلانَةُ على صُدُورِهِم
ولِحَاهُمِ الأَيْلِيَّةِ،

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.